للكلمة أهمية عظمى في حياتنا الزوجية،
ولها مغزاها العاطفي، ومدلولها الاجتماعي، ومحتواها الوجداني، وتلعب دوراً مهماً في تنمية علاقاتنا الاجتماعية والأسرية.
والكلمة جواز سفرك إلى عالم المودّة، ومكان استقرارك في وطن المحبّة، وسبيل فراقك ورحيلك حيث الشوق والانتظار، فمهما ازدادت الآلام العاطفية بين الزوجين ستبقى الكلمة الطيبة هي البلسم الشافي على جروح أحزاننا، والمرهم الدافئ على أوجاع همومنا.
ومن بين أجواء هذه الكلمة يتدفق المعين الخير، والمنبع الصافي، فتنتعش القلوب، وتطمئن الأفئدة، وتسكن الجوارح، وتعرّش في سماء المتحابين سحابة الدفء.. والأمن.. والأمان.
الكلمة الدافئة
والكلمة الدافئة تحمل أنيناً وحنيناً تتجلّى في حنايا العشرة الزوجية، فقد كان النبيّ يلاطف زوجته عائشة بكلمة فيها من العطاء المتشبع بالحنان فيقول: «ياعائش«، وهو استعمال عرف عند أهل اللغة بالتدليل.
إنّ هذه النغمة الوجدانية سرّ السعادة الزوجية، وبدونها لا تكتمل السعادة، ولا تحلو الحياة، فلا بدّ أن ندرك أنّ الزوجة كالزهرة إنْ رويتها بكلماتك الناعمة، وألفاظك العاطفية، وعاملتها بالرحمة، وغمرتها بالحنان، تفتــّحت وفاحت مسكاً.. وعاشت طويلاً.. وملأت بيتك وحياتك عطراً وجمالاً، وإنْ أهملتها أو قسوتَ عليها بكلماتك الجارحة ذبلت وماتت قبل أن تمنحكَ شذاها، فالزوجة وردة حلوة تهزّها أعاصير كلماتك القاسية.. ولكنك بكلماتك الطيبة تظلّ سياجها المنيع.. وكهفها الذي تأوي إليه.
أنا أحبّك
يقول فايز سليم في كتابه اللمسة السحرية في السعادة الزوجية: «كلمة أحبّك لها مفعول عجيب وتأثير ساحر في نفس سامعها، فهذه الكلمة تفتح آفاق الحياة، وتبعث الأمل في النفوس، وترسم لوحة السعادة بقلم الحب. وإنّ هذه الكلمة تدفع إلى تحقيق المستحيل، لكن الكثير منا يعتبر هذه الكلمة وغيرها من كلمات الحب والغزل شيئاً تافهاً وأمراً ساذجاً.. بل يزيدون في ذلك ويعتبرونها من «المراهقات المتأخرة التي لا تليق بأفعال الرجال«.
فلا تتردد في أن تعـــرب لزوجـــتــك - كلما سنحت الفرصة - عن مدى حبّك لها وإعجابك بها، فكم تنتعش الزوجة وترتاح إلى هذه الكلمة، وهي عبارة واضحة عن التعبير الصادق عن الحب، فتتأكد الزوجة أنها ما زالت الحمامة الساحرة التي استطاعت يوماً أن تمتلك قلب زوجها.
ولا تكتفي أيها الزوج بأن تقول: «أنا أعلم أنها متأكدة بأنني أحبها«، بل أفصح عن تعبيرك بكلمة واضحة: «أنا أحبّك«، فهذه الكلمة الصغيرة لا تكلفك درهماً واحداً، لكنها تسحر نفس الزوجة، وتحمل في ذهنها معاني الحب والوفاء، فتتمنى سماعها كل وقت وحين، وتجدها تلحّ على زوجها بأن تسمع منه هذه العبارة وتسأله دائماً هذا السؤال: هل تحبني؟
عن المقداد بن معدِ يكرب رضي اللّه عنه عن النبي قال في الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داوود: «إذا أحبّ الرجل أخاه فليُخبِره أنه يحبــه«.
إنّ التعامل مع القلوب يحتاج إلى الماء المتشبع بالعاطفة التي تروي هذه القلوب المتعطشة، حتى إذا رويت اهتزّت وربت وأنبتت من كل أنواع المحبّة والمودّة ما هو بهيج.
الكلمة وتفاوت معانيها
فالناظر في تفاوت معاني هذه الكلمة ومساحة تباينها يجد أن هناك كلمة قد تدخلك في دائرة المتزوجين، تقابلها كلمة (طالق) قد تنهي كل ما بنيته وزينته ووضعته في عشّك الآمن لآمالك وأحلامك، وقد بين نبيّنا ما لهذه الكلمة من تفاوت وتباين.
فكلمة قد تدخلك الجنة وتسعدك، وكلمة قد تدخلك النار وتشقيك.
كلمة قد تهوي بك في النار سبعين خريفاً، وكلمة صادقة بريئة قد تخلّدك في الجنة وتكون سبباً لسعادتك الأبدية.
كلمة ترفعك إلى علّيين فتحشر مع الأنبياء والصالحين، وكلمة تزلّك إلى أسفل السافلين مع فرعون وهامان وقارون.
كلمة ترسم لك طريق الأمل والشفاء، وكلمة تحطمك وتدمرك وتمسحك من الوجود.
ولقد سئل أحد العلماء: «إلى متى تظل تكتب العلم؟« فقال: «لعلّ الكلمة التي فيها نجاتي لم تكتب بعد«، ولا يدري الإنسان متى يقول الكلمة فيهدي اللّه بها خلقاً كثيراً. ويقول التابعي الجليل عكرمة تلميذ ابن عباس: «إني لأخرج إلى السوق، فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فيفتح لي خمسون باباً من العلم«.
الكلمة الطيبة صدقة
لا تبخل أيها الزوج بعطائك، لأنّ البخل بكلماتك الحلوة أخطر على النفس، وأشدّ ضرراً على الأفئدة من البخل بالمال، فكلمتك الطيبة صدقة، لما لها من تأثير في أسر قلب زوجتك، وهي سمة من عطائك حيث تنير دروب الحائرين، وتفتح آفاقاً وجدانية للسالكين.
فقد أخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال النبيّ : «الكلمة الطيبة صدقة«. ولقد سأل الكاتب الاجتماعي محمد رشيد العويد مجموعة من النساء عن موقفهنّ ومشاعرهنّ تجاه كلمات رقيقة طيبة فيما لو صدرت من أزواجهنّ فكانت هذه بعض إجاباتهن:
* سأكون سعيدة، وسأردّ على كلامه بكلام أحسن منه.
* أشعر بالرضا لأني أرضيت ربي.. ونلت رضى زوجي.
* ترتفع معنوياتي كثيراً، وقد يزداد حبي له أكثر فأكثر.
* يختفي إحساسي بالتعب.
دلالات الكلمة
لكلّ كلمة دلالاتها السحرية، وأبعادها العاطفية، ودورها في إنعاش المحبة والمودّة، فبكلمة طيبة تهمس بها في سمع الزوجة تجعلها تشعر كأنها تملك الدنيا، وتدفعها للمحافظة على زوجها، والتشبث بكيانه، وتبقيها في دائرته وتحت حمايته ومملكته، مفتخرة بشخصيته وبلطف كلماته، وعذوبة ألفاظه، ورب كلمة لا تملك الزوجة عند سماعها إلا الفراق من زوجها بل تتمنى له الهلاك والويل والانهيار، لأنّ هذه الكلمة خلعت جذور المحبة، وأطفأت شعلة المودّة التي كانت تضيء دائماً في عشها ومركز ارتقائها وسموّها.
فلسفة الكلمة
تلعب فلسفة الكلمة في حياتنا اليومية دوراً مهمّاً في تقوية علاقاتنا، وغرس بذرة البقاء في أرضنا، وفي أجواء سمائنا، فكلما فتحت فمك لتتكلم فإن زوجتك تستطيع بمداركها وقدراتها العاطفية أن تشخـّص صورتك الحقيقية وما تحمله من حب ولوعة وحنان، وبقدر ما تكون كلمتك لطيفة بقدر ما تكون لطيفاً في سلوكك فتسعدك هذه الكلمة وتسعد زوجتك، وبقدر ما تكون كلمتك قاسية بقدر ما تكون قاسياً فظّاً غليظ القلب، تترك حسرة وندامة في نفسك، واضطراباً وتوتراً وقلقاً في قلب زوجتك.
فوائد الكلمة
ومن فوائد الكلمة الطيبة أنها تحيي الأرض بعد موتها، وتزينها بثوب الحسن والجمال، وتفرشها ببساط أخضر، فتستجيب السماء لتذرف على وجنتيها دموع الفرح، وتتساقط قطراتها على الأرض لتكون وعاءً لدموعها، ومن نتائجها أن تجري الأنهار، وتتفتح الأزهار، وتخضرّ الأشجار، وتتزيّن الثمار، فيستظلّ الزوجان بظلال المودّة والحنان.
تشبيه بليغ
شبّه اللّه تعالى الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة. لأنّ الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح، والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع. يقول ابن القيم: «وهذه الشجرة لا بدّ لها من عروق، وساق، وفروع، وورق، وثمر، فعروقها العلم، والمعرفة، واليقين، وساقها الإخلاص، وفروعها الأعمال الصالحة. فالمؤمن دائماً سعيه في شيئين: سقي هذه الشجرة وتنقية ما حولها، فبسقيها تبقى وتدوم، وبتنقية ما حولها تكمل وتتمّ، يقول اللّه تعالى: }ألم تَــرَ كيف ضرب اللّه مثلاً كلمةً طيـّبةً كشجرةٍ طيـّبةٍ أصلـها ثابتٌ وفـرعهـَا في السّماء* تؤتي أكُلَها كلّ حين بإذن ربّها ويضرب اللّه الأمثال للناس لعلّهم يتذكّرون{ /ابراهيم :24،25/
سرّ السعادة الزوجية
وكم توقفتُ أتأمّل في تفاصيل تلك القصة التي كانت سبباً لقلب حياة إحدى الزوجات وتغيير سلوكها، تقول وهي تدون قصتها وتسطرها بحروف المودّة: «عندما كنت مسترخية ذات مرة على أريكة، واضعة الإبهام على خدي، أعيد شريط ذكرياتي مع زوجي العزيز. فقلت وأنا أتذكر كلماته الطيبة ونصائحه الغالية: سبحان اللّه الذي جعلني أتذكر كلمة قالها زوجي قبل عشرات السنين كانت سبباً لهدايتي وسعادتي.
وهذا التابعي الكوفي الثقة أبو عبداللّه زادان الكندي الذي كان يضرب ويغني بالدف، وكان له صوت حسن، فمرّ على عبداللّه بن مسعود فقال: «ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب اللّه« فتاب من ضرب العود و**ره، ولازم ابن مسعود حتى صار إماماً في العلم .
وقد أوضح نبيّنا أثر هذه الكلمة ومجالها في الارتقاء إلى مرضاة اللّه والنجاة من عذابه وناره، بقوله عليه الصلاة والسلام: «اتّقوا النار ولو بِشِقّ تمرَة فمَن لم يجد فبكلمة طيبة«، يقول النوويّ رحمة اللّه عليه: «الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار، وهي الكلمة التي فيها تطييب قلب إنسان إذا كانت مباحة أو طاعة«.
تأثير وجاذبية
قد تكون الكلمة الطيبة أكثر جاذبية إذا أضيفت معها التوجيهات التالية:
* اللين والوضوح والتأني في الخطاب.
* التدليل والنداء بأحبّ الأسماء.
* الإيناس والثناء والتسلية في الحديث.
* المصارحة والمجاملة والحوار الناجح.
* إشعار المخاطب بالاهتمام به.
* البدء بالسلام والابتسامة والمصافحة.
* الكلمة المناسبة في الوقت المناسب.
وبهذه التوجيهات سنجد للكلمة الطيبة أثر في النفوس، وجاذبية في القلوب، ومع ترويض النفس وتدريبها على هذه التوجيهات ستجد بعد فترة أنها تجسّدت فيك، وامتزجت مع شخصيتك، وأصبحت عادة وسجية فيك.
العطاء المتدفق
المسألة ليست كلمة، ولا قطرة ماء، إنها العطاء المتدفق الذي يفيض ويتدفق في كل اتجاه، إنها الحركة التي تحرّك المشاعر في أعماق قلوبنا، فالكلمة الطيبة طيبة في عطائها.. في لونها وشكلها.. في ثمارها ورائحتها.. في مستقرها ومستودعها.. في الماضي والحاضر والمستقبل، وستظل تؤتي وتعطي ثمارها كل حين بإذن ربها.
والكلمة الطيبة تحيا بحياة المحبين.. وتحيا بموتهم.. فإذا مات الإنسان تظلّ كلماته باقية حية تحيي القلوب، وستظلّ تتكرر في الألسنة، وتقرأ في الصحف والكتب، وتمرّ في القلوب والذاكرة.
اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد إجتمعت علي محبتك و التقت علي طاعتك وتوحدت علي دعوتك . فوثق اللهم رابطتها و أدم ودها و أهدها سبلها و أشرح صدورها بفيض الإيمان بك و جميل التوكل عليك.
أرجو أن تعم الفائدة للجميع
ولها مغزاها العاطفي، ومدلولها الاجتماعي، ومحتواها الوجداني، وتلعب دوراً مهماً في تنمية علاقاتنا الاجتماعية والأسرية.
والكلمة جواز سفرك إلى عالم المودّة، ومكان استقرارك في وطن المحبّة، وسبيل فراقك ورحيلك حيث الشوق والانتظار، فمهما ازدادت الآلام العاطفية بين الزوجين ستبقى الكلمة الطيبة هي البلسم الشافي على جروح أحزاننا، والمرهم الدافئ على أوجاع همومنا.
ومن بين أجواء هذه الكلمة يتدفق المعين الخير، والمنبع الصافي، فتنتعش القلوب، وتطمئن الأفئدة، وتسكن الجوارح، وتعرّش في سماء المتحابين سحابة الدفء.. والأمن.. والأمان.
الكلمة الدافئة
والكلمة الدافئة تحمل أنيناً وحنيناً تتجلّى في حنايا العشرة الزوجية، فقد كان النبيّ يلاطف زوجته عائشة بكلمة فيها من العطاء المتشبع بالحنان فيقول: «ياعائش«، وهو استعمال عرف عند أهل اللغة بالتدليل.
إنّ هذه النغمة الوجدانية سرّ السعادة الزوجية، وبدونها لا تكتمل السعادة، ولا تحلو الحياة، فلا بدّ أن ندرك أنّ الزوجة كالزهرة إنْ رويتها بكلماتك الناعمة، وألفاظك العاطفية، وعاملتها بالرحمة، وغمرتها بالحنان، تفتــّحت وفاحت مسكاً.. وعاشت طويلاً.. وملأت بيتك وحياتك عطراً وجمالاً، وإنْ أهملتها أو قسوتَ عليها بكلماتك الجارحة ذبلت وماتت قبل أن تمنحكَ شذاها، فالزوجة وردة حلوة تهزّها أعاصير كلماتك القاسية.. ولكنك بكلماتك الطيبة تظلّ سياجها المنيع.. وكهفها الذي تأوي إليه.
أنا أحبّك
يقول فايز سليم في كتابه اللمسة السحرية في السعادة الزوجية: «كلمة أحبّك لها مفعول عجيب وتأثير ساحر في نفس سامعها، فهذه الكلمة تفتح آفاق الحياة، وتبعث الأمل في النفوس، وترسم لوحة السعادة بقلم الحب. وإنّ هذه الكلمة تدفع إلى تحقيق المستحيل، لكن الكثير منا يعتبر هذه الكلمة وغيرها من كلمات الحب والغزل شيئاً تافهاً وأمراً ساذجاً.. بل يزيدون في ذلك ويعتبرونها من «المراهقات المتأخرة التي لا تليق بأفعال الرجال«.
فلا تتردد في أن تعـــرب لزوجـــتــك - كلما سنحت الفرصة - عن مدى حبّك لها وإعجابك بها، فكم تنتعش الزوجة وترتاح إلى هذه الكلمة، وهي عبارة واضحة عن التعبير الصادق عن الحب، فتتأكد الزوجة أنها ما زالت الحمامة الساحرة التي استطاعت يوماً أن تمتلك قلب زوجها.
ولا تكتفي أيها الزوج بأن تقول: «أنا أعلم أنها متأكدة بأنني أحبها«، بل أفصح عن تعبيرك بكلمة واضحة: «أنا أحبّك«، فهذه الكلمة الصغيرة لا تكلفك درهماً واحداً، لكنها تسحر نفس الزوجة، وتحمل في ذهنها معاني الحب والوفاء، فتتمنى سماعها كل وقت وحين، وتجدها تلحّ على زوجها بأن تسمع منه هذه العبارة وتسأله دائماً هذا السؤال: هل تحبني؟
عن المقداد بن معدِ يكرب رضي اللّه عنه عن النبي قال في الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داوود: «إذا أحبّ الرجل أخاه فليُخبِره أنه يحبــه«.
إنّ التعامل مع القلوب يحتاج إلى الماء المتشبع بالعاطفة التي تروي هذه القلوب المتعطشة، حتى إذا رويت اهتزّت وربت وأنبتت من كل أنواع المحبّة والمودّة ما هو بهيج.
الكلمة وتفاوت معانيها
فالناظر في تفاوت معاني هذه الكلمة ومساحة تباينها يجد أن هناك كلمة قد تدخلك في دائرة المتزوجين، تقابلها كلمة (طالق) قد تنهي كل ما بنيته وزينته ووضعته في عشّك الآمن لآمالك وأحلامك، وقد بين نبيّنا ما لهذه الكلمة من تفاوت وتباين.
فكلمة قد تدخلك الجنة وتسعدك، وكلمة قد تدخلك النار وتشقيك.
كلمة قد تهوي بك في النار سبعين خريفاً، وكلمة صادقة بريئة قد تخلّدك في الجنة وتكون سبباً لسعادتك الأبدية.
كلمة ترفعك إلى علّيين فتحشر مع الأنبياء والصالحين، وكلمة تزلّك إلى أسفل السافلين مع فرعون وهامان وقارون.
كلمة ترسم لك طريق الأمل والشفاء، وكلمة تحطمك وتدمرك وتمسحك من الوجود.
ولقد سئل أحد العلماء: «إلى متى تظل تكتب العلم؟« فقال: «لعلّ الكلمة التي فيها نجاتي لم تكتب بعد«، ولا يدري الإنسان متى يقول الكلمة فيهدي اللّه بها خلقاً كثيراً. ويقول التابعي الجليل عكرمة تلميذ ابن عباس: «إني لأخرج إلى السوق، فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فيفتح لي خمسون باباً من العلم«.
الكلمة الطيبة صدقة
لا تبخل أيها الزوج بعطائك، لأنّ البخل بكلماتك الحلوة أخطر على النفس، وأشدّ ضرراً على الأفئدة من البخل بالمال، فكلمتك الطيبة صدقة، لما لها من تأثير في أسر قلب زوجتك، وهي سمة من عطائك حيث تنير دروب الحائرين، وتفتح آفاقاً وجدانية للسالكين.
فقد أخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال النبيّ : «الكلمة الطيبة صدقة«. ولقد سأل الكاتب الاجتماعي محمد رشيد العويد مجموعة من النساء عن موقفهنّ ومشاعرهنّ تجاه كلمات رقيقة طيبة فيما لو صدرت من أزواجهنّ فكانت هذه بعض إجاباتهن:
* سأكون سعيدة، وسأردّ على كلامه بكلام أحسن منه.
* أشعر بالرضا لأني أرضيت ربي.. ونلت رضى زوجي.
* ترتفع معنوياتي كثيراً، وقد يزداد حبي له أكثر فأكثر.
* يختفي إحساسي بالتعب.
دلالات الكلمة
لكلّ كلمة دلالاتها السحرية، وأبعادها العاطفية، ودورها في إنعاش المحبة والمودّة، فبكلمة طيبة تهمس بها في سمع الزوجة تجعلها تشعر كأنها تملك الدنيا، وتدفعها للمحافظة على زوجها، والتشبث بكيانه، وتبقيها في دائرته وتحت حمايته ومملكته، مفتخرة بشخصيته وبلطف كلماته، وعذوبة ألفاظه، ورب كلمة لا تملك الزوجة عند سماعها إلا الفراق من زوجها بل تتمنى له الهلاك والويل والانهيار، لأنّ هذه الكلمة خلعت جذور المحبة، وأطفأت شعلة المودّة التي كانت تضيء دائماً في عشها ومركز ارتقائها وسموّها.
فلسفة الكلمة
تلعب فلسفة الكلمة في حياتنا اليومية دوراً مهمّاً في تقوية علاقاتنا، وغرس بذرة البقاء في أرضنا، وفي أجواء سمائنا، فكلما فتحت فمك لتتكلم فإن زوجتك تستطيع بمداركها وقدراتها العاطفية أن تشخـّص صورتك الحقيقية وما تحمله من حب ولوعة وحنان، وبقدر ما تكون كلمتك لطيفة بقدر ما تكون لطيفاً في سلوكك فتسعدك هذه الكلمة وتسعد زوجتك، وبقدر ما تكون كلمتك قاسية بقدر ما تكون قاسياً فظّاً غليظ القلب، تترك حسرة وندامة في نفسك، واضطراباً وتوتراً وقلقاً في قلب زوجتك.
فوائد الكلمة
ومن فوائد الكلمة الطيبة أنها تحيي الأرض بعد موتها، وتزينها بثوب الحسن والجمال، وتفرشها ببساط أخضر، فتستجيب السماء لتذرف على وجنتيها دموع الفرح، وتتساقط قطراتها على الأرض لتكون وعاءً لدموعها، ومن نتائجها أن تجري الأنهار، وتتفتح الأزهار، وتخضرّ الأشجار، وتتزيّن الثمار، فيستظلّ الزوجان بظلال المودّة والحنان.
تشبيه بليغ
شبّه اللّه تعالى الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة. لأنّ الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح، والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع. يقول ابن القيم: «وهذه الشجرة لا بدّ لها من عروق، وساق، وفروع، وورق، وثمر، فعروقها العلم، والمعرفة، واليقين، وساقها الإخلاص، وفروعها الأعمال الصالحة. فالمؤمن دائماً سعيه في شيئين: سقي هذه الشجرة وتنقية ما حولها، فبسقيها تبقى وتدوم، وبتنقية ما حولها تكمل وتتمّ، يقول اللّه تعالى: }ألم تَــرَ كيف ضرب اللّه مثلاً كلمةً طيـّبةً كشجرةٍ طيـّبةٍ أصلـها ثابتٌ وفـرعهـَا في السّماء* تؤتي أكُلَها كلّ حين بإذن ربّها ويضرب اللّه الأمثال للناس لعلّهم يتذكّرون{ /ابراهيم :24،25/
سرّ السعادة الزوجية
وكم توقفتُ أتأمّل في تفاصيل تلك القصة التي كانت سبباً لقلب حياة إحدى الزوجات وتغيير سلوكها، تقول وهي تدون قصتها وتسطرها بحروف المودّة: «عندما كنت مسترخية ذات مرة على أريكة، واضعة الإبهام على خدي، أعيد شريط ذكرياتي مع زوجي العزيز. فقلت وأنا أتذكر كلماته الطيبة ونصائحه الغالية: سبحان اللّه الذي جعلني أتذكر كلمة قالها زوجي قبل عشرات السنين كانت سبباً لهدايتي وسعادتي.
وهذا التابعي الكوفي الثقة أبو عبداللّه زادان الكندي الذي كان يضرب ويغني بالدف، وكان له صوت حسن، فمرّ على عبداللّه بن مسعود فقال: «ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب اللّه« فتاب من ضرب العود و**ره، ولازم ابن مسعود حتى صار إماماً في العلم .
وقد أوضح نبيّنا أثر هذه الكلمة ومجالها في الارتقاء إلى مرضاة اللّه والنجاة من عذابه وناره، بقوله عليه الصلاة والسلام: «اتّقوا النار ولو بِشِقّ تمرَة فمَن لم يجد فبكلمة طيبة«، يقول النوويّ رحمة اللّه عليه: «الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار، وهي الكلمة التي فيها تطييب قلب إنسان إذا كانت مباحة أو طاعة«.
تأثير وجاذبية
قد تكون الكلمة الطيبة أكثر جاذبية إذا أضيفت معها التوجيهات التالية:
* اللين والوضوح والتأني في الخطاب.
* التدليل والنداء بأحبّ الأسماء.
* الإيناس والثناء والتسلية في الحديث.
* المصارحة والمجاملة والحوار الناجح.
* إشعار المخاطب بالاهتمام به.
* البدء بالسلام والابتسامة والمصافحة.
* الكلمة المناسبة في الوقت المناسب.
وبهذه التوجيهات سنجد للكلمة الطيبة أثر في النفوس، وجاذبية في القلوب، ومع ترويض النفس وتدريبها على هذه التوجيهات ستجد بعد فترة أنها تجسّدت فيك، وامتزجت مع شخصيتك، وأصبحت عادة وسجية فيك.
العطاء المتدفق
المسألة ليست كلمة، ولا قطرة ماء، إنها العطاء المتدفق الذي يفيض ويتدفق في كل اتجاه، إنها الحركة التي تحرّك المشاعر في أعماق قلوبنا، فالكلمة الطيبة طيبة في عطائها.. في لونها وشكلها.. في ثمارها ورائحتها.. في مستقرها ومستودعها.. في الماضي والحاضر والمستقبل، وستظل تؤتي وتعطي ثمارها كل حين بإذن ربها.
والكلمة الطيبة تحيا بحياة المحبين.. وتحيا بموتهم.. فإذا مات الإنسان تظلّ كلماته باقية حية تحيي القلوب، وستظلّ تتكرر في الألسنة، وتقرأ في الصحف والكتب، وتمرّ في القلوب والذاكرة.
اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد إجتمعت علي محبتك و التقت علي طاعتك وتوحدت علي دعوتك . فوثق اللهم رابطتها و أدم ودها و أهدها سبلها و أشرح صدورها بفيض الإيمان بك و جميل التوكل عليك.
أرجو أن تعم الفائدة للجميع